الثلاثاء، 21 يناير 2014

الكاتب 3

الكاتب 3


إن المنشأ المشترك لأعمال شديدة الاختلاف يكمن في حالة معينة من الفكر ، تتشابه الروح لا الحقيقة.

يحصل الفنان علي القدرة علي إيقاظ الأرواح الأخري واستجابتها لنشاط معين من خلال الإدراك العميق وليس من خلال الالمام المضني بالكثير من المهارات اليدوية

القصيدة الحقيقية هي عقل الشاعر

السفينة الحقيقية هي باني السفينة


قال أفلاطون :" إن الشعراء ينطقون بأشياء حكيمة وعظيمة هم أنفسهم غير قادرين علي فهمها"

ليس عليك أن تقدم لي باللغات والعناوين كشافا بالمجلدات التي قرأت إنما عليك أن تجعلني أحس بالفترات التي عشتها


إن الفضيلة العليا التي ننسبها للحكماء هي أنهم رغم اعتيادهم علي صوت العقل ، لا ينطلقون من الكتب والتقاليد ، ولا يتحدثون عما فكر به الآخرون بل بما فكروا به هم أنفسهم ،

علي الإنسان أن يتعلم تمييز ومراقبة ذلك الشعاع من النور الذي يومض عبر ذهنه من الداخل أكثر من تتبعه لبروق سماوت الشعراء الحكماء، لكنه ينصرف عن فكرته دون أن يعني بها ، لأنها فكرته ، 

في كل عمل عبقري، نتعرف علي الأفكار التي صددناها ، إنها تعود إلينا بجلال يضيفه الاغتراب ،

 ليس لسوي من عبرة مؤثرة في الأعمال الفنية العظيمة. إنها تعلمنا أن نتمسك بانطباعنا التلقائي بصلابة حسنة النية ، خصوصا عندما يكون نداء الأصوات كلها في الجانب الآخر وإلا فإن غريبا سيقول غدا بالضبط وبإجادة تامة ما فكرنا وشعرنا به طوال الوقت، لسوف نرغم علي أن نتناول بخجل رأينا نحن من يد شخص آخر



الثلاثاء، 14 يناير 2014

الكاتب 2


الكاتب

كل كاتب هو فنان وكل نص قطعة  فنية
وكل عمل فني هو وليد عصره والعصر – في معظم الأحوال- هو المنبع الأصيل لعواطفنا الفردية ، ومن ثم فإن كل مرحلة ثقافية تنتج الفن الذي ينتمي إليها والذي يستحيل أن يتكرر وما من محاولة أو جهد لإحياء مبادئ فن زمن مضي إلا وكان المنتج مسخاً شائهاً

في كل نص رسالة كما في كل لوحة رسالة

ولكن أي رسالة

يجيب شومان : أن يفيض النور في الظلام الذي يغرق قلوب البشر وهذه هي مسؤولية الفنان وواجبه 
ويجيب تولستوي : إن الفنان إنسان قادر علي أن يرسم ويلون أي شئ 

المشاهدين ينظرون إلي العمل الفني بعيون باردة ، وعقول لا تبالي أما الهواة فإنهم يتوقفون عند حدود المهارة ( إعجاب مبهور بمن يمشي علي حبل ممدود ) ويستمتعون بطريقة الرسم والتلوين (استمتاع آكل الجاتوه) 
 أما الأرواح الجائعة

فإنها تنصرف وهي جائعة 
النتيجة الطبيعية للفن المادي غير الهادف هي الشللية والمؤامرات والتباغض والتحزب والمشايعة ، فإذا كانت المادية قد أنتجت هذا اللون من الفنانين فقد انتجت فنا لا يصلح أن يكون أبا للمستقبل 

إن الحياة الروحية التي يشكل الفن عنصرا من أهم عناصرها تمثل حركة مركبة ورغم ذلك فمن الممكن تعريفها بيسر وسهولة : إنها حركة تمضي إلي الأمام وإلي أعلي إن هاتين الحركتين اللتين تشيران إلي التقدم تنشأ من حبات العرق ، من الآلام والمخاوف ، من مقاومة الحواجز ، والعوائق ، وأشواك الشر المتجدد ، وعتمة الطريق ، في العتمة يولد (المُنقذ) الذي يتميز عنا ببصيرة ثاقبة تكشف الطريق إلي المستقبل وتهدي التائهين إلي الأمام وإلي الأعلي 

يقارن (زينكيفتشي)
 في إحدي رواياته بين الحياة الروحية والسباحة ، فالإنسان الذي لايسعي جاهدا بلا وهن ، ولا يقاوم الحواجز بلا توقف ، لا مفر أمامه من الغرق في عتمة اليأس  عندئذ تمسي موهبة الفنان نقمة عليه وعلي المتلقين في ذات الوقت ، ويتحول هو إلي دور الحاوي الذي يعرض فعلا ظاهره الفن وباطنه الشر ، ولا يكتفي بأن يخون الناس بل إن يعينهم علي خيانة أنفسهم ، ويقنعهم باحتياجات زائفة ، مثل هذا الفن لا يساعد علي الحركة إلي الأمام ، ولكنه يعوقها ، ويدفع الساعين إلي التقدم إلي الارتداد للخلف ، إن خيانة الفن تخلق مناخا يُسيد (بتشديد الياء الثانية ) القحط الروحي ويهبط بالروح إلي الحدود الدنيا من مثلثنا الرمزي 

النظرية هي المصباح الذي يضيئ أفكار الأمس المتحجرة والماضي البعيد

ومن ثم يستحيل وضع نظرية لمبدأ يسري علي اشياء تكون في المستقبل ، وما من شئ ينتمي إلي روح المستقبل إلا وكان تحققه في الإحساس ، والطريق الوحيد لهذا الإحساس هو موهبة الفنان

إن الإيقاع الناشئ عن تكرار لفظة بعينها عبر مسافات زمنية محددة ليس مجرد تنظيم شكلي محض ، بل ينفلت منه ما يمكن وصفه بالروحانية ، قد تستمع بالمصادفة إلي نغمة مرحة أو حزينة فإذا بها تكشف لنا عن لحظة عاطفية قديمة ، ولا تري كيف تم هذا الإيقاظ ، ولا كيف أتيح للروح أن تشرق.

إن الفنان هنا لابد له من رعشة الروح تلك . إن كل ما يستطيعه ليس أيقاظ شئ في ذاكرة المتلقي ، بل في خلق نظام إيقاعي ، وإيحائي يتجاوز به حدود المعني المباشر ، إلي منطقة يمكن أن نطلق عليها منطقة مخاطبة الأرواح 



عند (شونبرج ) حرية الإبداع ليست مطلقة وأن كل عنصر ينجز قدراً محدوداً من الحرية ، ولكن .. ما من عبقري ، مهما بلغت عبقريته يستطيع أن يتعدي حدود حريته ، ولكن مقدار حرية كل عصر يجب أن يزيد باستمرار 

هنري ماتيس أحد أعظم شباب فرنسا ، فهو يرسم صورا ولكنه يتجاوز المرئي إلي الإيحاء بما هو روحي 

أوصي سقراط بمعرفة النفس فقال أعرف نفسك ولكن يحتاج الوصول إلي هذه الغاية مكابدة طويلة 

الاستعارات المنهجية بين الفنون المختلفة تثري بعضها بعضا ، علي شرط ألأا تكون الاستعارة متعسفة

لا يستطيع الرسام إلا أن يقدم لنا رسالته في لحظة واحدة من الزمن
بينما بعض الفنون الأخري تمتلك الإيقاع الزمني


الأربعاء، 8 يناير 2014

الكاتب

الكاتب



الكاتب يبدأ من خبرات واقعية تكونت لديه نتيجة تداخل عدد من الدوائر بدءا من دائرة الذات بتكوينه الجسماني والذهني ، وظروف تربيته ونشأته ومعاناته مرورا بدائرة بيئته ومجتمعه وعصره وما يجيش فيها من تيارات وقضايا تنهمر عليه ويتأثر بها ، وانتهاءا بكونه جزءا من تراث ثقافي عالمي يشكل هو إحدي حلقاته الممتدة عبر أجيال من الماضي إلي الحاضر ثم الي المستقبل من هذه الدوائر يتشكل وجدان الكاتب المبدع وتتبلور رؤيته الخاصة للحياة والكون من حوله



الأصالة هي مفتاح وصول العمل الفني إلي قلوب الآخرين ، فالفن الصادق يصل مباشرة إلي وجدان المتلقي




الصفات التي يجب أن يتحلي بها الفنان:
 

1- رهافة حس تتيح له قدراً كبيراً من التعاطف مع آلام ومتاعب الآخرين 

2  - أن يكون واعياً بأهمية توفير الحد الأدني من المناخ المعيشي الصالح لإنجاز عمله.   


3- أن يكون حريصا علي نظام ونظافة معمله وجادا في توفير أدوات العمل


4- أن يكون مخلصاً ، متفانياً في أداء عمله ، متحملا أي متاعب ، متنازلا عن أي طموحات أخري عدا تحقيق أهدافه الفنية.


5- أن يكون قوي الإيمان بالله ، تقيا ، نازعا عن صدره أي هموم أومرارة


المحفزات التي تدفع الفنان للعمل:


1- الالهام وهو نتيجة طبيعية للاصرار علي البحث 


2- الحلم الذي يحركه ويدفعه حتي يخترق الحجب ويسبق الاحداث فالفن في أحد جوانبه نبوءة

كيف تتبدي لحظة الكشف أمام الفنان ؟

لحظة الكشف للفنان هي لحظة انتصاره والتي طالما حلم بها ، لحظة ينسي خلالها كل ماعاناه من جهد وتعب خلال رحلته الطويلة ، عندئذ يصبح أسعد البشر اطلاقا ، لقد نال مراده .. بعد ذلك يسقط ثانية في رحلة جديدة لتأكيد كشفه وتثبيت أركانه




هل يمكن لهذه اللحظة أن تُستعاد ؟

سعادة لحظة الكشف يحسها الفنان من جديد ، عندما يقابل فنانا آخر يُقدر كشفه حق قدره ، ويحتاج إليه ، عندئذ يؤمن الفنان أن صبره وجلده ومعاناته كانت خطوة صحيحة علي طريق الفن ، لابد أن تتبعها خطوات أخري ، تمضي علي نفس الدرب الذي اكتشفه ، مؤكدة ما توصل إليه ومستفيدة منه



النضج الفني 


1- ضروري علي كل فنان أن يتفهم لإمكانياته وحدود قدراته وتوظيف خبراته والأهم من ذلك حسن توجيهها بحدسه الفني للانتقاء والتقاط  ما يراه صالحاً لعمله  من الواقع الملئ بالنفايات لاستجلاء ذلك السحر الخفي الكامن فيه.


2- أن يكون الفنان متمكنا من أدواته الفنية متفهما لأسرار صنعته بحيث يمكنه بمجرد اطلاعه علي أي أعمال فنية لآخرين ، أن يكتشف طريقة صنع هذه الأعمال ومدي اختلافها عن أعماله ، والفروق بينها مميزاً في ذات الوقت بين الزيف والأصالة.


3- يحتاج العمل الفني إلي فترة زمنية كافية يختمر خلالها وينصهر في أتون إبداعه ويتبلور ويتشكل حتي يُولد مكتمل التكوين ، ولا جدال أن فترة الحمل تلك من أصعب الفترات علي الفنان ، فغالبا ما تكون مليئة بالقلق والتوتر والأرق والصبر والمعاناة 



المخاطر التي يواجهها الفنان علي طريق النضج فني:

1- قد يجنح الفنان بعيدا عن عالمه الفني الأثير الذي خبره وترسخ في أعماقه وصار جزءا من كيانه ، أما الدافع إلي هذا التحول فقد يكون البحث عن لقمة العيش أو الخوف من الفقر والحاجة.

2- في لحظات الأزمة ،أو فترات التوقف عن الابداع التي قد يمر بها الفنان أحيانا ، قد ينقب عن مخرج من أزمته ، مجهدا عقله ومفكرا في البحث عن مخرج بديل مصنوع بديلا عن العمل الفني.


3- يجب أن يعي الفنان أن عملية الابداع الفني عملية فردية بالأساس ، ويجب أن يحرص علي أن يظل يعمل وحيداً في بوتقة فنه ، باصرار لا يلين ، لأن هناك فرقا جوهريا بين الفن والتجارة 


فويل للفنان الذي ينزلق بعيدا عن صومعة فنه ، تحت إغراء المكسب أو الشهرة أو الجاه ، إذ سرعان ما يفقد أصالته ويعتريه الزيف

إنتبه 
ففي اللحظة التي يعود فيها الفنان منتصرا من رحلته الشاقة بعدما يكتشف منابع إلهامه ويمسك بها وبعدما اكتسب وعيا مفتقدا يفاجأ بأن المستوي الآخر ( المستغل ) والمتعاون مع الخارج ، يوفر له إحتياجاته وهذه هي لحظة الاختيار والحسم 
.....................................................................
اسم الكتاب : الإبداع الأدبي المصادر والمخاطر
اسم المؤلف : حسين عيد
دار النشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب - مكتبة الاسرة عام 1997